معجزة العقل
العقل من بين النّعم الكثيرة التي منّ الله تعالى بها على الإنسان نعمة العقل التي ميّزته عن سائر الكائنات، وإنّ هذه النّعمة هي من آثار التّكريم الرّباني للإنسان حين فضّله على كثير من خلقه، قال تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[الإسراء:70].وعلى الإنسان أن يدرك أهميّة العقل في حياته فيتجنب تدميره أو تغيبه باتباع شهوات نفسه ونزواتها. وفي هذا المقال سوف تذكر أهمية العقل. أهمية العقل سبب استخلاف الله تعالى للإنسان لو لم يكن الإنسان يمتلك عقلاً يدرك فيه حياته وأسباب وجوده لما كان لوجوده في الحياة أي فائدة أو منفعة، فعمارة الأرض واستصلاحها تحتاج دائماً إلى العقل الذي يفكّر في ابتكار الوسائل والطّرق التي تؤدّي إلى ذلك، فالعقل إذن هو مظنّة الاستخلاف في الأرض. وسيلة للتّمييز بين الحقّ والباطل فالعقل يميز الصّواب والخطأ والنّافع والضّار، فالإنسان العاقل هو الإنسان الذي يستطيع أن يميّز بين ما هو صواب وحقّ أو ما هو عكس ذلك بسبب أنّ العقل يزوّد الإنسان بالأسباب والأدوات التي تؤدّي إلى إدراك الأمور والقضايا وتمييزها وتحليلها واختيار الأصوب والأصحّ بينها وترجيحه. مناط التّكليف فكثيرٌ من العبادات التي شرعها الله تعالى وأوجبها على النّاس من شروطها أن يكون المسلم عاقلاً بالغاً وغير ذلك من الشّروط مثل الصّلاة والصّوم وغيرها، كما أنّ كثيراً من المعاملات في الحياة والعقود بين النّاس لا تتمّ إلا إذا كان طرفيّ العقد عاقلين مثل الزّواج وعقود المعاملات المختلفة من بيع وإيجار وغير ذلك، فالمجنون غير مكلف بل هو غير مؤاخذ على أفعاله بسبب فقدانه لنعمة العقل، وفي الحديث عمّن رفع عنهم القلم قوله عليه الصّلاة والسّلام . وسيلة الإبداع والاختراع فالعلماء الذين أخرجوا لنا كلّ ما ننتفع به في حياتنا أعملوا عقولهم في العلم وأبدعوا حتّى تمكّنوا من ذلك، بل إنّ إنجازاتهم لم تكن إلا بسبب استثمارهم الكامل لعقولهم وتفكيرهم وتكريسها في البحث العلمي والتّفكر في نواميس الكون وقوانينه. مصدر الحكمة العقل هو مصدر الحكمة التي تميّز بها الكثيرون عبر التّاريخ، فغير العاقل لا يتصوّر بحال أن يكون حكيماً بسبب أنّ الحكمة تحتاج إلى تبصّر في الأمور وتعقّل مع اختبار لتجارب الحياة وترجيح الصّواب وما يصلح للإنسان في كلّ حين وأوان. سبب إنجازات الإنسان لقد حقق الإنسان عبر التاريخ الكثير من الإنجازات و الإختراعات على مختلف الأصعدة والمجالات، فالأبنية والأنظمة والدول، والكهرباء وحتى النار لم يكن ليتم
اكتشافها لولا العقل.
اكتشافها لولا العقل.
لولا العقل فما وصلنا لأي شئ سبحان الله و الحمد لله
نعمة عظيمه تظهر قدرة الله و تكوين العقل كالتالي :
تكوين العقل العربي وهو مشروع ثقافي كبير يهدف من خلاله تسليط الضوء على نقد العقل العربي و هو للدكتور محمد عابد الجابري المفكر المغربي, وهو من أربعة أجزاء: الجزء الأول: تكوين العقل العربي الجزء الثاني: بنية العقل العربي الجزء الثالث:العقل السياسي العربي الجزء الرابع: العقل الأخلاقي العربي الجزء الأول وهو( تكوين العقل العربي), الصادر عن المركز الثقافي العربي. ففي بداية الكتاب ركز الجابري على تحديد المفاهيم, ما المقصود بالعقل العربي؟ ما علاقته بالثقافة العربية؟ ما طبيعة الحركة في هذه الثقافة, وكيف يتحدد زمنها؟
و المشكل الذي اعترض الكاتب هومتى كانت بداية تشكيل العقل العربي و الثقافة العربية, وما هو الإطار الزمني الذي تعود إليه هذه الثقافة و العقل العربي. وفي القسم الثاني اهتم الدكتورالجابري بمكونات العقل العربي ,و اعتمد في ذلك على المنهج التكويني حيث اتبع مراحل تطور العقل العربي انطلاقا من عصر التدوين وهو بداية العقل العربي في نظره ,غير أن الملاحظ في هذا القسم مرة يتكلم عن العقل العربي ومرة يتحدث عن الثقافة العربية, ولهما عنده نفس المعنى فالثقافة هي العقل و العقل هو الثقافة. إن المنهج البنيوي التكويني لا يعزل الثقافة عن المحيط الاجتماعي و الأيديولوجي بل يدرسها في إطارها المعرفي التكويني العام. و الدكتور الجابري يحاول في هذه الدراسة المفصلة إبعاد الذات عن النقد , وهو لا يمارس النقد من أجل النقد بل من أجل التحرر مما هو ميت أو مخشب في موروثنا الثقافي كما قال في هذا الكتاب. فهو لا يهدف إلى كتابة تاريخ الفكر العربي, و إنما الهدف من هذه الدراسة هو معرفة المراحل التي مر منها العقل العربي انطلاقا من عصر التدوين ,وأن الحاجة ملحة لإعادة كتابة الثقافة العربية, لأننا الان نجتر ما قاله السابقون, ونختلف كما اختلفوا لأن العرب يعتمدون على الفرق و الطبقات و أن هذا النوع من الثقافة يؤدي ‘إلى اختلاف الرأي ليس الاختلاف المحمود و إنما الاختلاف المذموم الذي يؤدي إلى التفرقة و التشرذم بل المطلوب هو الدعوة إلى خلق ثقافة تهتم ببناء الرأي وتقدمه. وهذا الأسلوب المعرفي القائم على الطائفية و التعصب هو الذي ورثناه من أجدادنا فهو قائم على مبدأ المذاهب و الطوائف فبعدما كان الدين هو الذي يجمع المسلمين أصبحت النظرة الطائفية تفرقهم إلى أقليات و انعكس هذا الصراع على مستوى الفكرو المعرفة فالعقل عند الجابري تكون مع بداية تفسير القران الكريم , وتقعيد اللغة و تأسيس قواعد أصول الفقه, وقد اعتمد في هذا الكتاب على المنهج البنيوي وذلك بالتأكيد على ضرورة التعامل مع الموروث الثقافي كبنية داخلية معزولة عن المحيط الاجتماعي, و الملاحظ في هذه المنهجية في المقاربة المعرفية عند الدكتور الجابري تنظر إلى النصوص كإطار لغوي ,لكن ينبغي أن نشير أننا لا يمكننا عزله عن المؤثرات الخارجية,غير أنه ينبغي التعامل مع هذا التراث دون نزعة طائفية ضيقة لأن العيب ليس في التراث وإنما العيب في النظرة المسبقة التي يحملها القارئ عن هذا التراث, وحصرالجابري مرحلة تكوين العقل العربي ابتداء من عصر التدوين يقلل من قيمة العقل العربي ويحد من قدراته , فالإسلام لم يرفض كل ما قبله بل اعتمد على الجانب النير في العقل العربي القديم ,حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم أعجب بقصائد شعرية غاية في الروعة لشعراء الجاهلية, كما أنه لم يلغ بعض القيم الأخلاقية و السلوكيات الجميلة وحافض عليها و رعاها, غير ان النقطة الفاصلة التي تفصل القديم و الجديد في العقل العربي هي مرحلة نزول القران الكريم ,حيث إنه سطر نوعا جديدا من الفكر و المعرفة وعقلية جديدة كذلك بشكله ومضمونه وأعطى الانطلاقة الحقيقية لإعمال العقل العربي أما مرحلة التدوين فهي مترتبة عن مرحلة نزول القران الكريم. ولو افترضنا ان مرحلة التدوين هي بداية تشكيل وتكوين العقل العربي فإن التدوين بدأ في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث إن القران كان ينزل منجما وكان الصحابة يدونونه وقت نزوله. صحيح انه في القرن الثالث الهجري كان هناك ازدهار ثقافي وحضاري لكن هذا الانفتاح على ثقافة الشعوب الأخرى وخاصة الفكر الفارسي و الهندي و الفلسفة اليونانية المترجمة في بيت الحكمة أو غيره من المراكز العلمية حينذاك , كان لهذا الانفتاح أثر سلبي على الثقافة الاسلامية , لأن المنطق الأرسطي في اعتقادي أثبت فشله في اليونان وانتهى بنهاية الحضارة اليونانية, فالمادة مثلا عند أرسطوا تتكون من عناصر و العقل العربي الإسلامي أصبح يعرف الذرة أو أقل منها كما جاء في القران الكريم وجابر بن حيان الفيزيائي المعروف قال في ذلك الوقت أن بإمكان الذرة تفجير بغداد, إذن ما وجه المقارنة بين الفكر الأرسطي و الفكر الإسلامي. و الجابري ينطلق في هذا الكتاب من مسلمة أساسية هي أن أي تقدم لا يمكن أن يتم إلا إذا قمنا بنقد علمي للعقل العربي , و أن النهضة العربية لا تقوم إلا إذا شرحنا العقل العربي منذ القديم وعرفنا مكامن القوة ومكامن الضعف فيه وقمنا بمحاولة إصلاح الخلل الذي يعيق التقدم الحضاري و المعرفي لهذه الأمة التي طال سباتها . وهذا الكتاب في نظره هو محاولة أولى على الطريق لبداية نقد العقل العربي الذي من المفروض أننا انتهينا من نقده منذ سنين طويلة , و اعتبر ان القراءات النقدية السابقة كانت موجهة(استشراقية, سلفية,قومية) و أن قراءته النقدية للعقل العربي بنيوية بعيدة عن الذات الدارسة, وهذا في نظري غير معقول لأن الانسان أثناء دراسته للموروث الثقافي لا يمكن عزل الذات عن الموضوع وخاصة أن المنهج الذي اعتمده الجابري كما قال هو المنهج البنيوي التكويني , و البنيوية التكوينية منهج ماركسي يؤمن بالجدل المادي و التاريخي وصراع الطبقات. كانت هذه قراءة متواضعة للجوء الأول تكوين العقل العربي من المشروع
الكاتب المفكر النقدي الدكتور محمد عبدالله جابر
No comments:
Post a Comment